<
>

فريق الديكتاتور

Jun Michael Park/laif for ESPN

ملحوظة: نظراً لوجود بعض المشكلات الفنية من جانب شبكة ESPN، لا يظهر جزء من النص المصاحب لهذه القصة بالشكل الصحيح والمرجو

"الكثير من القتلة"

مدينة الكويت

في ظهيرة يوم بارد في شهر فبراير، أحد أهم وأبرز لاعبي كرة القدم في المنتخب السوري جالساً في أحد المولات التجارية المطلة على الخليج، في حالة من الصدمة وعدم التصديق أمام قرار يعلم جيداً أنه قد يلقى حتفه بسببه

على مدار خمسة أعوام، قاطع فراس الخطيب المنتخب السوري اعتراضاً على أفعال الديكتاتور بشار الأسد بعد أن قصف وجوّع بلدة الخطيب

والآن، يبدو أن الخطيب قد غير رأيه فجأة. فهو يفكر في العودة إلى سوريا ليقود المنتخب السوري في محاولات التأهل إلى نهائيات كأس العالم لكرة القدم القادم . أسبابه معقدة ويبدو غير واثق من إمكانه بالتعبير عنها

"أنا خائف، بل مرتعب" قالها بإنجليزية ضعيفة بعض الشيء. "في سوريا الآن، إذا تكلمت سيقتلك أحدهم - عقاباً لك على ما تقول وعلى ما تعتقد. ليس على ما تفعل، بل على الفكرة التي تجول في رأسك. "

فراس الخطيب، رجل ملتحي صغير البنية وذو شعر بني مجعد وعينان تشعان بالطيبة والرقة. جنى الخطيب الملايين بعد أن احترف لعبة كرة القدم في الكويت. وفي وسط أجواء المول التجاري الفخم، تلوح لنا نظرة إلى حياته المريحة الرغدة هنا - اليخوت تتمايل في هدوء وانسجام على صفحة المياه الزرقاء ومن حوله نساء ورجال يدخنون الأرجيلة بنكهات مختلفة. ورغم مظاهر الترف هذه، إلا أن الخطيب بدى بائساً يطحنه ثقل وعبء المعضلة التي يقف أمامها، والتي قام بنقاشها في لقاء صحفي استمر على مدار يومين. "كل يوم عندنا أحاول النوم، يحتار فكري وأظل أرواد خواطري لساعة أو ساعتين"

أخرج الخطيب هاتفه ليرينا صفحته على موقع فيسبوك والتي تتلقى يومياً مئات الرسائل. حتى أقرب أصدقائه كانوا على أتم الاستعداد للتخلي عنه والانقلاب ضده. فمن ضمن زملائه، اللاعب نهاد سعد الدين الذي تعود معرفته بالخطيب إلى طفولتيهما، أكد في رسالة وجهها للخطيب أنه في حال عودته للمنتخب "ستحفظ مكانك في مزبلة التاريخ أنت وكل من دعموا المجرم بشار الأسد". وأقسم سعد الدين ألا يتكلم مع الخطيب أبداً

في وقت ما خلال الأيام الـ٣٦ القادمة، عندما يلعب المنتخب السوري مباراته القادمة، على الخطيب أن يختار بين شرّين كبيرين يجتاحان عالمنا المعاصر

إن قرر الخطيب العودة إلى سوريا، سيكون قائد المنتخب وأهم لاعب في مسعى بلده للوصول إلى كأس العالم للمرة الأولى. ولكنه سيمثل نظام الحكم ذاته الي استخدم غاز الأعصاب ضد المدنيين وعمليات التعذيب والاغتصاب والتجويع والتفجير -- واستخدم كرة القدم كسلاح لإضفاء الشرعية على حكمه الدموي والوحشي بل والترويج له

وإن استمر في مقاطعته، سيكون بذلك قد أعلن انحيازه وتأييده لحركة سياسية معقدة بدأت بمظاهرات سلمية ثم انبثق منها جماعات ضمت عناصر من القاعدة وداعش. وكانت داعش قد استخدمت من قبل مباريات كرة القدم كخلفية لبعض أكثر جرائمها توحشاً وفظاعة، ومن ضمن هذه الجرائم تفجير ملعب فرنسا في عام 2015 وتفجير مباراة كرة قدم للشباب في العراق والذي أسرف عن مقتل 29 طفلاً

قال الخطيب: "الآن، في سوريا، القتلة كثيرون، ليس فقط قاتل أو اثنين، وأنا أبغضهم جميعاً"

إنه في معضلة

تابع الخطيب قائلاً: "أياً كان ما سيحدث، فسيحبني اثنا عشر مليون سورياً، بينما سيريد الاثنا عشر مليون الآخرين قتلي". فبداخل الحرب الأهلية السورية، هناك حرب أهلية أخرى مصغرة: قتال عنيف وأحياناً دموي حول روح كرة القدم السورية الوطنية

والرهان على تأهل سوريا لكأس العالم، أحدث تضارباً انقلب فيه كل لاعب على الآخر وكل مدرب على قرينه - وعكس هذا الانقسام حجم الانقسام الكارثي وروح الفرقة التي تسود كثير من العالم حالياً. على مدار ستة أعوام من الحرب الأهلية، قُتل ما لا يقل عن 470,000 سورياً، وانخفض متوسط العمر في البلد من عمر 70 إلى 55 عاماً. ممثلاً دولة بها أكثر من اثني عشر مليون نازح - تقريباً نصف التعداد السكاني لسوريا - يأتي المنتخب الوطني لكرة القدم ليكون ميدان قتال آخر ومعركة بين مؤيدي بشار الأسد ومعارضيه

فالحكومة السورية تدعي أن كرة القدم هي المكان الوحيد الذي يلم شمل جميع الأطراف ويجمعهم معاً بسلام. وكما قال بشار محمد، المتحدث الرسمي للمنتخب الوطني السوري، كرة القدم "هي الحلم الذي يجمع الناس معاً. ليمنحهم البسمة ويساعدهم على نسيان رائحة الدمار والموت المحيطة بهم"

ولكن الحقيقة، أن نظام الأسد مدعوماً بالدعم التكتيكي للفيفا - قد غزل شباكه حول كرة القدم وجندها في حملة القمع المروعة التي تقودها الدولة، كما ورد في التحقيق الذي أجراه كل من برنامج 'Outside The Lines' ومجلة ESPN The Magazine، واستمر سبعة أشهر

وقد قامت الحكومة السورية بقتل أو تفجير أو تعذيب حتى الموت ما لا يقل عن 38 لاعباً من فرق الدرجة الأولى والثانية في الدوري السوري والعشرات من الدرجات الأقل، طبقاً للمعلومات التي جمعها أنس عمو، الكاتب الرياضي السابق من حلب والذي يعمل الآن في تعقب وتسجيل انتهاكات حقوق الإنسان ضد لاعبي سوريا الرياضيين. ويوجد على الأقل ثلاثة عشر لاعباً مفقوداً. وعلى الرغم من أن قوى المعارضة قامت بعمليات قتل أيضاً ضد لاعبي كرة القدم السورية، إلا أنها تمت على نطاق أضيق بكثير - فبحسب عمو تتحمل داعش مسؤولية أربع عمليات قتل مماثلة - وقد استنتجت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن نظام الأسد "قام باستخدام الرياضيين والأنشطة الرياضية لدعم ... ممارساته القمعية والوحشية." فملاعب كرة القدم تم استخدمها كقواعد عسكرية لإطلاق الصواريخ وقصف المدنيين. ومنذ بداية الحرب، طبقاً لما أورده بعض اللاعبين فقد تم إجبارهم على السير في مسيرات دعم الأسد، وأحياناً على ارتداء قمصان تحمل صورة الرئيس. قال عمو: "نظام الأسد كان حريصاً على أن يُظهر للعامة دعم الفنانين والرياضيين له ولنظامه، لأنهم أصحاب التأثير الأكبر على الناس في الشوارع. لذا كانت هذه المسيرات إجبارية"

التحقيق الذي أجرته شبكة ESPN تم من خلال مقابلات مع لاعبين حاليين وسابقين ومسؤولين رسمين حاليين وسابقين وأصدقاء ومعارف للضحايا، بالإضافة إلى مراجعات لحالات دراسة ومقاطع فيديو متاحة للعامة قام بتأكيد محتواها مراقبو حقوق الإنسان. وقد تمت هذه المقابلات في الفترة بين سبتمبر 2016 ومارس 2017 في ماليزيا وألمانيا وتركيا والسويد والكويت وجنوب كوريا

الادعاءات التي تواجه سوريا بانتهاكها قواعد الفيفا التي تحظر التدخل السياسي في الأمور المتعلقة بكرة القدم تم إيصالها إلى باب منظمة الفيفا في عام 2015. وقد استغلت منظمة الفيفا هذه القواعد وأعادتها على مسامعنا حوالي 20 مرة على مدار العقد الماضي لتوقف بعض الدول عن اللعب الدولي. ولكن في حالة الادعاءات السورية والتي جاءت في تقرير مكون من 20 صفحة بعنوان "جرائم الحرب ضد لاعبي كرة القدم السورية"، جاء رد الفيفا "الأحداث المأساوية هذه ... تتعدى نطاق القضايا الرياضية" ثم ختمت بأن هذا الأمر خارج حدود سلطتها. كما رفض مسؤولو الفيفا إجراء أي لقاء مع شبكة ESPN" ولكنهم قاموا بإعلان موقفهم قائلين إن المنظمة محدودة وقاصرة في تشريعاتها "وقدراتها قاصرة أيضاً على التحقق والتثبت من صحة هذه الإدعاءات في ظل هذه الظروف شديدة التعقيد"

"هناك تناقض كبير بين قرارات الفيفا وقوانينها،" قال أيمن قاشيط، لاعب سوري سابق وهو من قام بتسليم هذه الادعاءات بيده إلى مقر منظمة الفيفا بزيورخ: " يقومون بإصدار أمر تجميد اتحاد ما نتيجة للتدخل السياسي، بينما في نفس الوقت هناك حالة حرب في بلد ما حيث يتم استخدام الملاعب الرياضية كقواعد لتخزين المعدات العسكرية ووقوع جرائم قتل ضد الأطفال واللاعبين تحت سن 18، وحيث يتم القبض على لاعبي كرة القدم والإلقاء بهم في السجون. كل هذا والكثير من الأدلة، ولكن أين القرار؟ هذا نفاق بيّن"

وقد قام مارك أفيفا، محامٍي في لندن متخصص في القوانين الرياضية بدراسة قوانين الاستقلال، وأكد أن الوضع في سوريا يمثل "حالة واضحة وصريحة من التدخل المنهجي من جهة الدولة في الشأن المحلي والعالمي لكرة القدم، ولكن منظمة الفيفا اختارت ألا تحرك ساكناً. وببساطة، الفيفا ليس لديها ذرة من الشجاعة حتى تتدخل فيما يبدو أنها علاقة شائنة بوضوح سافر"

وقد قام فادي دباس، نائب رئيس الاتحاد السوري لكرة القدم ورئيس بعثة المنتخب الدولي، برفض هذه الادعائات واعتبرها "غير حقيقية بالمرة" وقال أن هؤلاء مجموعة من اللاعبين المقيمين بالخارج والمعارضين لبشار الأسد. ورد دباس قائلاً: "النظام يحمي الشعب السوري، والمشكلة أن هؤلاء الأفراد يعيشون خارج سوريا ولا يمثلون إلا أنفسهم"

حضور سوريا في قلب مشهد كأس العالم خلق صراعاً أخلاقياً ليس فقط بالنسبة للفيفا ولكن للاعبين والمشجعين كذلك. فالمئات من اللاعبين السوريين قد فروا من سوريا إلى بلاد مجاورة وإلى أوروبا. وهذا يشمل أيضاً أشخاص مثل فراس الخطيب، الذي رفض أن يمثل نظام بشار الأسد، ولاعب آخر، يلعب في مركز الدفاع، قام بالهرب بشكل أشبه ما يكون مشهداً درامياً في أحداث فيلم، فر فراس العلي قبيل الفجر من المنتخب الوطني، أثناء معسكر التدريب وهرب خارج البلاد تماماً، مباشرة عقب معرفته أن ابن عمه الطفل ذي الثلاثة عشر ربيعاً قد تم قتله علي يد نظام بشار الأسد في إحدى الغارات المشنة

علي يعيش الآن في خيمة مع زوجته وأطفاله الثلاثة في مخيم قرقاميش في جنوب تركيا. وفي مقابلة مع شبكة ESPN" وصف فراس اللعب لصالح المنتخب الوطني السوري بأنه "عار. لم تطاوعني نفسي أن أقوم به. شعرت بأنني أخون دم كل ابن من أبناء وطني قتله الطغيان والقمع. هؤلاء اللاعبون يحملون علم الموت، العلم الذي يقتلنا".

"رجل عظيم، عظيم حقاً"

سيريمبان، ماليزيا

في ظهيرة يوم حار في شهر سبتمبر، ومع خطر هطول الأمطار، ينتظر لاعبو المنتخب السوري، الذين يرتدون قمصانهم البيضاء، في بهو فندق وسبا ذا رويال بينتينج حيث ينتظرون الحافلة لتقلهم إلى موقع التدريب. سيكون هذا محل إقامتهم (أو بيتهم) للجولة الثالثة من جولات التأهل لكأس العالم، والتي ستبدأ في سبتمبر 2016 وتستمر حتى سبتمبر 2017

المنتخب السوري يبدو كطفل يتيم هجره والداه وينتقل من ملجأ إلى آخر. الوضع الطبيعي في سوريا، كان إجراء مباريات الذهاب في دمشق وحلب، ولكن الفيفا لن تسمح بهذا، حيث أنها لن تتمكن من ضمان أمن اللاعبين والمشجعين. وبعد قضاء الجولة الثانية من مباريات التأهل الآسيوي في عُمان، لم تتمكن سوريا من العثور على دولة مضيفة لها في الشرق الأوسط بأسره لإجراء مباريات الجولة الثالثة. وقبل المباراة الأولى بأيام، قامت إدارة ماكاو بعرض ضيافتها ثم سحبت عرضها. وبينما يقف المنتخب على حافة الخسارة، استقروا على سيريمبان، مدينة صناعية يفصلها عن سوريا 4,700 ميل والمحيط الهندي

تم الاحتفال منذ أيام بعيد استقلال ماليزيا، ويملأ البهو شعارات وطنية والكثير من الأعلام ذات الألوان الأحمر والأبيض والأزرق، والتي ترفرف فوق رؤوس السوريين في مفارقة ساخرة. كُتب على الأعلام شعارات مثل "أنا ابن ماليزيا". يكسو وجه اللاعبين الإرهاق والإنهاك الشديدين، وعلامات التحير والتعجب تطل من أعينهم متسائلة كيف انتهى بنا الحال هنا. جولات التأهل بدأت قبل ثلاثة أيام في أوزباكستان بخسارة 1-0. وبعد الانتظار لمعرفة أين وطنهم الجديد، سافر المنتخب 20 ساعة - من طشقند إلى إسطنبول ومنها إلى كوالالمبور - قبل الصعود إلى متن الحافلة لرحلة طولها 40 ميلاً إلى سيريمبان

علق قائد المنتخب عبد الرازق الحسين قائلاً: "سمعنا أن وجهتنا التالية ستكون قطر، ثم أصبحت لبنان أو ماكاو، لا أعرف ما حدث بالضبط. ليس من المفترض أن نواجه كل هذا الرفض وعدم القبول"

من المفترض أن تجرى مباراة بين سوريا وجنوب كوريا بعد ليلتين. في العقد الماضي، مباراة التأهل جذبت أكثر من 35,000 سورياً للمشاهدة. وبينما هم منتظرون، يخمن اللاعبون عدد المشجعين الذين قد يأتوا إلى هذه المباراة: "نأمل أن يأتي ثلاثة مشجعين!" قالها أحدهم ضاحكاً

وبالنظر إلى التحديات التي يواجهونها، نجاح المنتخب السوري حتى الآن يعتبر أمراً مفاجئاً بل وصادماً. فبالإضافة إلى التحديات اللوجستية ورحيل أبرز اللاعبين إلى خارج البلاد، فالفريق بشكل عام مفلس. حيث اضطرت منظمة الفيفا بتجميد جميع أموال التنمية الموجهة لسوريا نتيجة للعقوبات المفروضة على البلاد من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. في سيريمبان، يتدرب الفريق في ملعب محلي دون المستوى، حتى يتجنبوا دفع رسوم تأجير ملعب كامل والتي تبلغ 3,500 دولار، كما يقول قطيبة الرفاعي، الأمين العام للفريق فهو نفسه يعمل بلا أجر

تقدمت سوريا بعد الجولة الثانية بعد أن أصبحت في المرتبة الثانية بعد اليابان. وهذا أقرب ما وصلت إليه سوريا لكأس العالم منذ 31 عاماً. وقد احتفلت الفيفا بهذا الفريق المتواضع بكونه الأكثر إنجازاً، ناشرين قصص لهم على موقع الفيفا الإلكتروني وعن صراعهم البطولي للوصول إلى كأس العالم في تحدي لجميع الظروف والعقبات. "ما حققته سوريا...أقل ما يقال لوصفه أنه معجزة" كان عنوان أحد المقالات في فبراير الماضي

ولكن هذه القصص أغفلت تفصيلة صغيرة: أن هذا الفريق يمثل حكومة متهمة بارتكاب جرائم حرب ضد شعبها

ولكن الفيفا تبنت موقف نظام الأسد، والذي يصور للعامة أن المنتخب السوري محايد سياسي. دباس، رجل الأعمال السوري والذي يعمل رئيس للبعثة، قال إن هدف الفريق الأول أكبر من التأهل لكأس العالم، فهو يصبو نحو "لم شمل الشعب السوري، وأن يثبتوا للعالم أن سوريا بخير، وأن سوريا لازالت تنبض بالحياة، فالفريق يمثل سوريا بأكملها". ولكن دباس يعلنها صراحة أن المنتخب يلعب "باسم الرئيس" وأن ولاءه لبشار الأسد ونظامه. "أي سوري يعيش في سوريا يمثل الرئيس بشار الأسد، فخامة الرئيس بشار الأسد، والدكتور بشار الأسد يمثلنا. ونحن فخورون برئيسنا. وفخورون بما حققناه. ونريد أن نرسل تحياتنا وشكرنا إليه وعلى ما يفعله من أجل سوريا، ونحن نقف خلفه وتحت قيادته ونناصره". ويتابع دباس قائلاً أن بشار الأسد يشاهد كل مباراة "ويتابع بنفسه كل التفاصيل الدقيقة عن الفريق"

في الحقيقية، هناك العديد من العلامات التي تشير إلى أن المنتخب السوري لا يمثل الرؤية الموحدة للشعب السوري ولكنه مجرد قناع ذي وجه وديع يغطي حقيقة أقبح لوجه الديكتاتور الوحشي. في نوفمبر 2015 في سنغافورة، كبير المدربين وأحد اللاعبين والمتحدث الرسمي باسم المنتخب، حضر إلى مؤتمر صحفي قبل المباراة مرتدياً قميصاَ يحمل صورة بشار الأسد. وفي التعليقات التي دارت بين اللاجئين السوريين وانتشرت بقوة بينهم، قالوا أن فجر إبراهيم استغل منصة كأس العالم ليدعي أن "الرئيس الأسد هو أفضل إنسان في العالم"

إبراهيم الذي لا يقوم بتدريب الفريق في الجولة الثالثة للتأهل لكأس العالم بدء حديثه مع شبكة ESPN في كوالالمبور بخطاب مرتجل في مدح بشار الأسد. "نعلم أن رئيسنا هو الرجل المناسب، فهو رجل عظيم، عظيم للغاية. بدونه سوريا ستصبح دماراً"

بمعرفة حقيقة الضغوط في سوريا وآلاف الأشخاص الذين تم تعذيبهم أو قتلهم لمعارضتهم نظام الأسد، من الصعب تقييم مصداقية المنتسبين للفريق وحقيقة انتمائهم

أنس عمو، الكاتب الرياضي ذو العلاقات الجيدة والذي استطاع توثيق جرائم حقوق الإنسان ضد الرياضيين السوريين، يعمل الآن كوكيل رياضي في مرسين بتركيا، ويقول أن بعض اللاعبين في المنتخب السوري لهم أقارب في سجون النظام أو تم قتلهم على يده. أوضح عمو قائلاً، "هم مجبرون على اللعب ببساطة، وإلا قد يقوم النظام بقتل عائلاتهم"، ويطالب أن تظل أسماء اللاعبين سرية لحمايتهم وحماية عائلاتهم. كما أضاف أنه على علم بوجود لاعبين سوريين يلعبان لصالح المنتخب بدافع الخوف فقط، لأن الحكومة تحتفظ بأوراق ووثائق سفرهم الخاصة، وستقوم بالحجز على جوازات السفر الخاصة بهم فلا يستطيعوا اللعب في الخارج أبداً. وهناك لاعبون آخرون يشعرون بالفعل بالولاء تجاه بشار الأسد

ويضيف عمو أنه لو استطاع اللاعبون التحكم في أوراق سفرهم وجوازاتهم، لرحل معظمهم. مرهقون ومتعبون تحت وطأة السفر، نزل المنتخب السوري إلى ملعب توانكو عبدالرحمن بسريمبان في ليلة ممطرة بشهر سبتمبر. الدخول مجاناً، ولكن هناك عدد أقل من 5,500 مشجعاً في مقاعد المشاهدين الذي يتسع لحوالي 45,000 مشجع. مئات من السوريين وغيرهم، معظمهم طلاب في كوالالمبور يهللون في منتصف الملعب وعلى جانبيه. كوريا الجنوبية، القوة الآسيوية العظيمة، تهدد أحياناً ولكنها لا تحرز أهدافاً، وقريباً تنافس سوريا لتحرز تعادلاً صفرياً يمنح الفريق نقطته الأولى. كل دقيقة أو ما شابه، يقوم أحد اللاعبين السوريين بركل العشب في محاولة لتضييع الوقت

وبمرور الوقت، يفرد المشجعون السوريون لافتة ضخمة تحمل صورة الأسد تمتد بطول 20 صفاً. ويقفز المشجعون، ضاربون بأقدامهم الأرض ومهللون "سوريا! سوريا!" وفي غضون ثوان، يندفع الأمن الماليزي نحو هذا القسم من المدرجات ليجبروا السوريين على خفض هذه اللافتة. وعندما انطلقت صافرة الحكم معلنة التعادل السلبي، قام المدرب بحركة الدولاب الأكروباتية واندفع اللاعبون إلى الملعب

"نتيجة اليوم ليست إنجازاً، بل معجزة بحق" قالها قائد الفريق حسين عقب انتهاء المباراة. "اليوم أثبت المنتخب السوري أنه منتخب الأبطال."

"مجزرة إنسانية"

برلين

وفي الجانب الآخر من العالم، هناك حقيقة بديلة

في ظهيرة يوم شديد البرودة في شهر فبراير، قامت دزينتان من اللاجئين السوريين بالمزاحمة إلى غرفة الزائرين بنادي إس. في. بوخولز وهو إحدى النوادي الرياضية التي تلعب في دوري الهواة الألماني المعروف ببزيركسليجا. مبنى ذو طابق واحد، رمادي اللون وضيق المساحة مدفون بشارع جانبي سكني في شمال شرق برلين، خلفه ملعب كرة القدم. واحد تلو الآخر يقوم أعضاء الفريق السوري بإخراج القمصان الخضراء من كيس ورقي مجعد. علم سوريا الثوري - ثلاث نجوم حمراء مرسومة على اللون الأخضر، وخطين أفقيين باللون الأسود - ملصقة على النافذة

على الأقل قام فريقان من "سوريا الحرة" بالمنافسة في مباريات استعراضية في تركيا وألمانيا. الفريقان اللذان يضمان لاعبين محترفين سابقين من الدوري السوري، جزء من تعداد اللاجئين السوريين الذي يصل إلى 6 مليون لاجئ - تقريباً نفس تعداد ولاية ماساتشوستس. قال مدرب الفريق سعد الدين أن الفريق في ألمانيا يمثل "المقموعين من قبل النظام" ومن بينهم "الشهداء من الرياضيين الذين ضحوا بأرواحهم فداء الوطن". "هذا الفريق، بإذن الله، سيكون الفريق الرسمي الممثل لسوريا الحرة"

يصل اللاعبون من نادي بوخولز الواحد تلو الآخر، غير مكترثين وبلا هموم. تُسمع أصداء الموسيقى الإلكترونية من غرف ملابسهم، مما يجعلك تشعر أن المبنى كله ينبض مع الموسيقى. معظمهم من ذوي الملامح الشقراء والبينة القوية، كما لو أنهم خرجوا لتوهم من كتيب إرشادات السياح في ألمانيا. أما اللاعبون السوريون فتبدو عليهم علامات الإعياء والإنهاك والتحطم النفسي حتى في زيهم الجديد. قال سعد الدين المدرب الذي يبلغ من العمر 35 عاماً، إلا أنه يبدو أكبر بعشر سنوات من عمره، بشعره الأسود الضعيف وعيونه المطاردة: "هناك عدد كبير أصيب من قبل أو تم احتجازهم". كان سعد الدين لاعب خط الوسط في سوريا منذ زمن بعيد، ولا يمكنه اللعب الآن. فأثناء حصار حمص، أصيب سعد الدين في ركبته بطلقة قناصة، وفقد قدرته على اللعب تماماً عندما أصيب جراء إحدى قذائف مدفع الهاون التي وقعت خلف الحائط، أثناء قيامه بإجلاء النساء والأطفال من مبنى سكني. وعندما وصل إلى النمسا حيث يعيش الآن، وجد الأطباء أنه يعاني من كسر في خمس فقرات في ظهره

يقوم سعد الدين بإلقاء خطابه الحماسي في غرفة تبديل اللاعبين: "يا شباب مسؤوليتنا قضيتنا، وأتمنى أن يكون كل فرد منكم على قدر المسؤولية - فلنجعل العالم يعرف مدى إجرام هذا النظام وما فعله بالرياضيين والمحتجزين؛ واجبنا أن نتحدث عنهم... علينا توصيل أصواتنا وإسماعها للعالم، وعلينا الوقوف سوياً جنباً إلى جنب لكشف الغطاء عن حقيقة هذا النظام وتعريته أمام العالم أجمع، فيعرف العالم أن الثورة مستمرة في سوريا وأن هناك أبطال رياضيين أحرار. عندما تقولون أنكم من فريق سوريا الحرة، أنتم تمثلون الملايين"

أحد لاعبي فريق سوريا الحرة، جابر الكردي احتجزه النظام في عام 2013 في مدينة حماة، حيث كان يلعب لصالح فريق الطليعة. يقول كردي أنه دعم المعارضة لكنه لم يطلق يوماً النار على أحد. يتساءل كردي فاتحاً كفيه الورديين: "هل تظن أن يداي هاتان تستطيعان حمل سلاح؟ أيادي الفتيات أكبر من يداي". وأضاف أنه شارك في مسيرات المعارضة وقدم المسكن والملبس للنازحين: "أكره الدماء وأكره سفكها، ولكن عندما رأيت الناس في حماة ينامون في الخارج في الحدائق والشوارع، لم أستطع تحمل مشاهدة هذا"

وصفت منظمة مراقبة حقوق الإنسان "هيومن رايتس ووتش" شبكة سجون الأسد الممتدة بأنها "أرخبيل التعذيب". ويكمل كردي أنه تم احتجازه لمدة تسعة أشهر بدون محاكمة، يتم نقله ما بين مركز الحبس في حماة وحمص ودمشق. في فرع مديرية الاستخبارات العسكرية المسمى "فلسطين" بمدينة دمشق، قام الحراس بضرب أخمص قدميه بخرطوم مطاطي وعذبوه بأسلاك كهربائية وقاموا بتوصيلها برأسه. لمدة أسبوع، تم احتجازه في قفص من السيراميك، غير قادر على الجلوس أو الحركة. "القفص بارد، وكانوا يأتون ويلقون على الماء البارد ثم يغادرون". سمحوا له بالخروج لمدة خمس دقائق يومياً لاستخدام الحمام، وأحياناً ما كانوا يقدمون له قطع من الخبز العفن يقومون بدفعها أسفل باب القفص

الشاب ذو الخمس وعشرون ربيعاً، يتميز بملامح رقيقة ولحية خفيفة كتلك التي تظهر في اليوم الثالث بعد الحلاقة، وظلال سوداء تحت عينيه. في نهاية فترة حبسه، قاموا بإحضاره أمام قاض عسكري، قام بإطلاق سراحه. وعندما قام الحارس بتسليمه متعلقاته -محفظة نقود فارغة - جذب يده بعنف وجرح إبهامه بسكين

ويحكي كردي متمسكاً بندبة رفيعة أن الحارس قال له: "هكذا ستتذكرنا دائماً". ومنذ وصوله إلى ألمانيا، تم علاجه من الكوابيس المزمنة والتي يرى فيها رجال الأمن السوري يلاحقونه في شوارع حماة بعد قصفها

"قلبي متألم. أقسم بالله، لست سعيداً هنا. لقد استقبلتنا الحكومة الألمانية ووفرت لنا الأمن والأمان. أنا أقدر هذا، ولكني لست سعيداً من الناحية النفسية. أهلي وشعبي يذبحون في بلادي" قالها كردي الذي لم يتمالك نفسه وانهار بالبكاء

لاعب آخر من لاعبي فريق سوريا الحرة، باسل حوا، يقول أنه تم إلقاء القبض عليه أثناء تخطيطه للهروب من الجيش السوري بعد أن أدرك حقيقة "أننا نقتل أهلنا". تم احتجازه في زنزانة صغيرة مع 12 من المحتجزين الآخرين، وكان عليهم التبرز في حفرة في الأرض. وقد أفرج عنه بشار الأسد بعد إصدار العفو المحدود في عام 2014. ثم فر بعدها إلى ألمانيا

وهناك لاعب جاء ذكر اسمه في كل محادثة عن فريق سوريا الحرة، لكنه لم يكن موجوداً في برلين. جهاد القصاب، لاعب خط الوسط المتقاعد في أوائل الأربعين من عمره، وقد كان نجم نادي الكرامة، وهو فريق المحترفين في مدينة حمص. لماذا تم اعتقال القصاب في 19 أغسطس 2014؟ لا تبدو الإجابة واضحة، حيث لم يتم محاكمته على الإطلاق

عائلة القصاب وأصدقاؤه يعتقدون أنه تم إرساله إلى سجن صيدنايا العسكري، وهو يمثل قلب أرخبيل التعذيب داخل نظام بشار الأسد. وقد ذكر أحد المحتجزين السابقين لمنظمة العفو الدولية أن الحراس يقومون بفصل المحتجزين الضعفاء جسدياً عن الأقوياء ويجبرونهم على اغتصابهم. الضرب بالأسطوانات الحديدية كان مستمراً دون توقف وجنازير الدبابات لتمزيق الأجساد وكابلات بخطاطيف مصممة لتقطيع وتمزيق الجلد. يحتوي سجن صيدنايا على غرفة إعدام تحت الأرض، مكونة من رصيفين وعشرات المشانق، ولهذا طبقاً لمنظمة العفو الدولية يطلق عليه اسم صيدنايا "مجزرة البشر" وتقدّر منظمة العفو الدولية عدد الضحايا الذين تعرضوا إلى سياسة "الإبادة" إلى ما يزيد عن 13,000 سورياً في فترة سجن تزيد عن أربع سنوات

سبتمبر الماضي، أكثر من عامين بعد اختفاء القصاب، تم الإعلان عن وفاته. مساجد حمص كانت أول من أعلن خبر وفاته، ثم مواقع التواصل الاجتماعي تلاها الشبكة السورية لحقوق الإنسان والقنوات الإخبارية حول العالم. ولم يعرف تفاصيل إضافية عن مقتله

يقول محمد حامد، لاعب سابق في نادي الكرامة السوري وصديق مقرب لكساب: "لو كان جهاد لايزال على قيد الحياة في دولة أخرى، لكان اليوم يتم تكريمه والاحتفاء بإنجازاته وتاريخه الطويل في الرياضة"، وأكمل في تألم واضح قائلاً، "ولكن في سوريا، وتحت نظام الأسد، يتم حبسه وتعذيبه"

لم يتم العثور على جثة كساب، طبقاً لأصدقائه، وهناك بعض الأشخاص الذين يعتقدون بأنه لا يزال على قيد الحياة. رشاد شامة، صديق مقرّب، قد أقام عزاء صغير للقصاب أمام محله الصغير في السعودية

هذه إحدى سياسات وأساليب النظام المتبعة في قلب الحقائق أن يذيعوا خبر وفاة نجم مثل القصاب، وأن يقيموا سرداق عزاء له، ولكن لا يزال أمر وفاته غير موثوق في صحته ويقول شامة: "قد يكون حياً أو ميتاً، من يدري؟"

فادي دباس، نائب رئيس اتحاد الكرة السوري أخبر شبكة ESPN أولاً أنه لايعرف شيئاُ عن مصير القصاب وأنه لم يسمع به أبداً: "لم أسمع اسمه من قبل" كان رده. وعندما تمت الإشارة إلى أن القصاب كان لاعباً في الدوري السوري لمدة تزيد عن عشرة أعوام، قال دباس "ولكني لا أعرف أين ذهب بعد أن ترك فريق الكرامة. ولا أعر ف ما حدث له. ولا توجد لدي أي معلومات حول هذا الموضوع"

وبرغم الرمزية، فريق سوريا الحرة في مباراته ضد فريق بوخولز انتهي بخسارة الفريق السوري 5-2 ، تحت أمطار باردة ومستمرة، وأمام عشرات الألمان الآتين في ظهيرة يوم الأحد لمشاهدة أصدقائهم وأقربائهم يلعبون في استعراض مثير للفضول

وفي ظل الظروف المحيطة بهم، فالمباراة بطولية وغير مريحة للمشاهدة، قام السوريون بتسديد الهدف الأول بشوطة رائعة. ولكن في النصف الثاني من المباراة، قام الألمان - من المحظوظين بظروف أفضل وحياة طبيعية تسمح لهم بالتدرب بشكل منتظم (اجتمع أعضاء الفريق السوري مع بعضهم قبل المباراة بيوم واحد) - بإطلاق الأهداف. وقد أصابت إحدى الكرات المدافع السوري في وجهه، وتركته بلا حراك لعدة دقائق على الأرض قبل أن يخرج من الملعب بوجه قاتم الاحمرار

ويقدم السوريون أنفسهم بكونهم البديل الرسمي للمنتخب السوري الذي يدعمه بشار الأسد. ولكنهم أكثر من هذا، فالمباراة الاستعراضية ضد بوخولز أظهرت أن هذا لا يقترب من الحقيقة بشيء. هناك منتخب واحد في سوريا، هؤلاء اللاعبون من ذوي الكفاءة والمهارة الكافية هم من عليهم الإقرار بأنفسهم ما الذي يمثلونه

"انتهى الأمر"

مخيم قرقاميش للاجئين، تركيا

في يوليو عام 2012، عندما أعلن فراس الخطيب أنه لن يلعب مجدداً لصالح سوريا، اشتعلت بلدته حمص، البلدة الواقعة في غرب وسط سوريا وكانت ثالث أكبر مدينة فيها والمعروفة بـ"عاصمة الثورة". في العام الماضي، عندما خرجت آلاف المظاهرات ضد حكومة بشار الأسد الديكتاتورية وانتشرت إلى سائر أجزاء سوريا، جاء رد بشار الأسد بالقوة الغاشمة. رد فعل الحكومة أشعل فتيل الحرب الأهلية والتي تشهد الآن مزيج غريب يغلي في قدر واحد من القوى العظمي والإرهابيين الخارجيين وأمراء الحرب والميليشيات المسلحة ومحاربي الحرية والمدافعين عنها

حملة الأسد التي أحرقت الأرض بمن عليها في حمص، ارتكبت من الجرائم الاغتصاب والتجويع -وقد اضطر بعض المقيمين هناك لأكل العشب حتى ينجو، طبقاً لشهداء ونشطاء المعارضة. مجازر ارتُكبت في حق المدنيين، وقد ذكر شهود عيان أن قوات الأسد تقوم بجولات لإبادة المدنيين عن بكرة أبيهم

الخطيب هو أحد أهم وأبرز مواطني سوريا وأشهر لاعبيها -فهو نجم قومي منذ شبابه. ترك سوريا ليحترف في بلجيكا والصين ومنذ أكثر من عقد من الزمن وهو مستقر في الكويت، حيث قام بكسر الرقم القياسي لسجل الأهداف في عمر الدوري المحلي. قام الخطيب بمساعدة أهل حمص بأرباحه التي جناها من مسيرته في كرة القدم، فساعد في بناء شارع - شارع الخطيب - وكذلك ملعب رياضي ومسجد كلاهما يحملان اسم العائلة. وبرغم الملايين التي حصل عليها باحترافه بالخارج، دائماً ما عاد ليمثل سوريا. قال الخطيب: "لتلعب في المنتخب السوري، يشاهدك 24 مليون متفرج، 24 مليون شخص يشجعونك ويدعمونك للفوز"

إعلان مقاطعة الخطيب للمنتخب السوري في مدينة الكويت في تجمع شعبي كان بمثابة ضربة قاضية لنظام بشار الأسد. مرتدياً وشاح بألوان الثورة، أخبر الخطيب الحشد متعالي الصيحات "هنا أقف أمام وسائل الإعلام، لأعلن أني لن ألعب لصالح المنتخب السوري مادامت القنابل تتساقط على أي قطعة من أرض سوريا"

فقام أحد الحاضرين برفع الخطيب على كتفيه، وناداه الحشد باسم "أبو حمزة" باسم ولده الأكبر. "بارك الله فيك يا أبو حمزة، بارك الله فيك"

يلعب الخطيب الآن لصالح نادي الكويت الرياضي، فريقه الرابع في الكويت. واقفاً على جانب ملعب ناديه في ظهيرة يوم في شهر فبراير، يصارع الخطيب نفسه كيف يمكنه شرح وتفسير عودته لتمثيل سورياً مجدداً، بعد أن أعلن عن موقفه سابقاً وبعد الفظائع والجرائم التي ارتكبتها الحكومة وتستمر في ارتكابها ضد المدنيين

"ما حدث أمر شديد التعقيد، لا أستطيع التحدث عن هذه الأشياء. أعتذر، أعتذر بشدة وبقوة. الأفضل لي ألا أتحدث، لسلامتي الشخصية وسلامة عائلتي وبلدي ولسلامة الجميع، لا يمكنني التحدث عن هذا الأمر"

ولكنه قدم بعض التلميحات

فقد قال الخطيب أنه لم يطأ قدمه في شارع الخطيب منذ ستة أعوام. لم يرى والده الذي لا يمكنه ترك سوريا بسبب حالته الصحية. "هذه أصعب لحظة مرت علي في عمري، لا أريد العودة لأشارك المنتخب الوطني أو لأدعم الحكومة أو لمعارضتها. أريد أن أعود إلى سوريا، كأحد أفراد شعب سوريا. أريد ان أرى والدي أخيراً، وإخواني". قال الخطيب بأنه لا يزال يحلم بالعودة إلى حمص كقائد فريق الكرامة، فريق بلدته

في الوقت الذي أعلن فيه الخطيب عن مقاطعته، اعتقد الجميع أن نظام الأسد على حافة السقوط. "في هذا الوقت، كانت الثورة ثورة حقيقية تريد نماء سوريا وقوتها، وأراد الناس أن يعيشوا حياة أفضل". أما الآن فنظام الأسد مترسخ. والنظام السوري أحكم قبضته ليس فقط على حمص، بل منذ ديسمبر على حلب أيضاً، والتي كانت أكثر مدن سوريا كثافة سكانية. الدوري السوري للمحترفين والذي تم حصره في مدينتي دمشق واللاذقية -ينافس من جديد في أجزاء أخرى في سوريا. في أواخر شهر يناير، لعب الاتحاد والحرية الناديان المنافسان الرئيسيان في حلب أول مباراة لهما في المدينة منذ عام 2012، حدث احتفت الحكومة بهذا الحدث واصفة إياه بأنه علامة على رجوع سوريا للحياة الطبيعة مجدداً

استكمل الخطيب حديثه قائلاً: "قلت لن ألعب حتى يتوقف هذا القتل ويتوقف عداد الموت عن حصد الأرواح. والآن تتساءلون ما الذي غيرني. تغير رأيي لأسباب كروية وليست سياسية. أريد أن أشعر بالسعادة مجدداُ، الشعب السوري بحاجة لشيء ما يشعره بالسعادة، بعد أن أصبح كل ما في سوريا يصيبنا بالحزن والغم"

أمامه الآن خمسة أسابيع ليقرر ما إن كان سينضم إلى المنتخب السوري في مباراته القادمة أم لا. منذ تعادله مع كوريا الجنوبية في ماليزيا، فاز المنتخب على الصين وتعادل مع إيران، وقد صرح قائد الفريق أن ظهور سوريا في مباريات كأس العالم صار أمراً ممكناً

وقد تم توجيه السؤال إلى الخطيب كيف يمكنك تمثيل حكومة تستمر في تعذيب وقصف المدنيين، حكومة "تقتل معجبينك والناس الذين أحبوك، وزملاءك في الفرق الرياضية"

أجاب الخطيب "هذا سؤال صعب، صعب للغاية. لا يمكنني التحدث حقاً. أريد التحدث بشدة صدقني. ولكن لا أستطيع"

بالنسبة للاعبين آخرين، تمثيل نظام الأسد يعتبر خيانة لا تغتفر

أحد هؤلاء هو فراس العلي

يقول فراس العلي المدافع السابق في المنتخب السوري: "كنت أرى سوريا جنة الله في الأرض"

ولكنه لا يعيش الآن في سوريا، وهذا المكان ليس بالجنة على الإطلاق

مخيم قرقاميش للاجئين يشبه سجن منخفض الحراسة. يقع على حافة الحدود التركية الجنوبية مع سوريا، ويحيط بالمخيم جدران رمادية اللون وسلك شائك تتحكم فيه الحكومة التركية. ويسكنه 6,886 لاجئ (من بينهم 1,963 طفل) وهم لديهم مطلق الحرية في الرحيل، إذا ما وجدوا مكاناً يذهبون إليه ووسيلة لبلوغه

امتلك علي في سوريا ثلاثة منازل. والآن جميع ممتلكاته تسعها خيمة بيضاء، واحدة من بين مئات الخيام المنصوبة عمودياً وبشكل منتظم تحت الشمس. خيمة علي لا تزيد أو تنقص عن مساحة خيمة جيرانه، ولكن بالداخل هي منظمة وشديدة الترتيب. ستائر من الدانتيل الأبيض تغطي الحوائط وسجادة شرقية تغطي الأساس الخشبي. ووسادات منمقة بنقوش زهرية تحف مكان الجلوس على هيئة حدوة حصان. وإبريق فضي صغير موضوع على طبق ساخن، وهناك جهاز تلفاز 13 بوصة وثلاجة صغيرة الحجم. علي يبلغ من العمر 31 عاماً، وزوجته وثلاثة أطفال يعيشون جميعاً في مخيم قرقاميش منذ ثلاث سنوات. وابنته الصغرى عائشة وُلدت هناك

علي يمتاز بشعره الأسود الذي ينسدل على جبهته ورشاقة تليق برياضي محترف. من يراقب اللاعب المحترف عن كثب يصعب عليه فهم ما آل إليه من مأساة، كيف يمكن للاعب محترف أن ينتهى به الأمر في مخيم بين معجبينه. لعب علي في نادي الشرطة، أحد أهم الفرق الرياضية في دمشق، وكان يحصل على 125,000 دولاراً في الموسم الواحد، وهذا يعتبر ثروة ضخمة بالنسبة لمستوى المعيشة في سوريا. يقول علي: "من بين 23 مليون شخص، كنت ضمن أفضل عشرين لاعباً في بلدي، كنت مشهوراً ومعروفاً أينما ذهبت. وضعي المادي كان أكثر من ممتاز. وتمتعت بالعائلة والصيت الذائع. لم أفكر يوماً في الخروج من بلدي ولو لخطوة واحدة"

الآن علي لاجئ، وعائلته تتلقى المساعدة من هيئة إدارة الطوارئ والكوارث التركية

ويقول علي أنه يفضل العيش في مخيم على أن يلعب لصالح المنتخب. في عام 2011، عندما هاجمت قوات الأسد مدينة حماة السورية، بلدة علي، تم إطلاق النار وقتل عبدالله ابن عم علي، الشاب البالغ من العمر تسعة عشر ربيعاً، والذي يدرس الجغرافيا بالجامعة أثناء سيره في مظاهرة معارضة لنظام الأسد. يحكي علي واصفاً ما حدث: "اخترقت الرصاصة عينيه وخرجت من رأسه". وبعد ذلك، تم إلقاء برميل من المتفجرات - أسطوانة بترول مملؤة بالغاز - ألقت بها قوات النظام من طائرات الهليكوبتر بالآلاف - وقعت أحدها على بيت وأحرقت ابنة أخيه وهي تقف في المطبخ. وصل علي بعدها بعدة دقائق وقال "ما وجدت إلا أشلاء جثث، ما حدث كابوساً لا ينتهي. ابنة أخي كانت ثقيلة الوزن، حوالي 200 رطلاً، ولم أستطيع العثور عليها". فانضم علي لمظاهرات المعارضة، ولكنه قام بتغطية وجهه، حتى لا يتعرف عليه أحد. وشعر أنه يعيش حياتين منفصلتين: فهو يعارض نظام بشار الأسد في الشوارع ولكنه يمثله على أرض الملعب

في صباح أحد الأيام، حضر علي التدريب في ملعب العباسيين بدمشق ليكتشف أنه تم تحويله لقاعدة عسكرية. يقول علي: "خصصوا لنا نصف الملعب، وتركوا النصف الآخر للفرقة الرابعة من الجيش السوري. رأيت هذا بأم عيني! وضعوا جنود المدفعية في الأماكن المخصصة للاعبين. وقد أجهضوا المظاهرات متمركزين من موقعهم في الملعب الذي كنت أتدرب فيه. كنت أسمع طلقات الرصاص ورشاشات المدفعية من داخل الملعب. ولم تحمل المظاهرات أي سلاح، فقد كانوا عزل. النظام كان الطرف الوحيد الحامل للسلاح في هذا الوقت"

كان مدرب المنتخب السوري لكرة القدم، فجر إبراهيم، من أكثر الأفراد مولاة وولاءً لنظام الأسد، وهو من قام بارتداء قميص عليه صورة الرئيس قبل المباراة التأهيلية لكأس العالم. ويقول علي أن إبراهيم قد تحدث بصراحة عن الحاجة إلى سحق المعارضة والمتظاهرين. وقد أخبر إبراهيم لاعبيه أن بالفوز في المباريات، ستظهر سوريا للعالم أجمع أن هذه المظاهرات لم تؤثر كثيراً على سوريا. وانقسم اللاعبين، حيث يكمل علي حديثه متحدثاً عن شعوره المتزايد بالخذلان والإحباط، ومجهوده المتواهن في الملعب آنذاك قائلاً: "كنا ندمر أنفسنا بأيدينا، ولأني كنت مشتتاً، كان الأهل الأصدقاء يموتون من حولي"

أحياناً ما كان علي يقيم في فندق بلو تاور، الواقع في شارع الحمرا وسط دمشق. وفي أحد الليالي المؤرقة، شاهد بفزع من نافذته بالدور الثامن قوات النظام تقصف الأحياء المدنية حول المدينة. يقول علي: "الأمر كان أشبه بمشاهدة فيلم رعب في التلفاز، كان مفزعاً"

وفي ليلة أخرى، بينما كان يقوم المنتخب بالتدرب في بطولة في الهند، ورد علي اتصال يخبره أن ابن عمه علاء، الطفل البالغ ثلاثة عشر ربيعاً، قد قُتل أثناء هجوم قوات النظام على قرية خارج حماة. بعدها بثلاثين دقيقة، اجتمع علي مع أعضاء الفريق على العشاء. وعندما قام أحد زملائه في الفريق بالسخرية من المتظاهرين، قام علي بقذفه بملعقة قبل أن يشتبكا معاً ويحاول باقي الفريق فصلهما. عندما عاد علي لغرفته، اتصل بعائلته

قال "انتهى الأمر" مخبراً أخته

أجابته: "ماذا تقصد؟"

رد علي: "لا يمكنني اللعب لصالح المنتخب بعد الآن"

فقام بإعداد الترتيبات لأخويه ليقلوه في تمام الساعة الخامسة والنصف في صباح اليوم التالي. ومن هناك، انطلق علي إلى المناطق التي تقع تحت سيطرة الثوار، وقام بتمريره خلال نقاط التفتيش بعض الجنود الذين تعرفوا عليه كونه نجم الكرة، ولكنهم لم يعرفوا أن علي يحاول الهروب من النظام. وعبر علي الحدود إلى تركيا مع عائلته. أصبح علي حراً الآن، ولكن سرعان ما واجه تحديات جديدة. يقول علي معبراً عن مأساته: "كان لدي الكثير من الأموال في البنوك، وبعد رحيلي خارج البلاد استولى عليها النظام. وكان لدي ثلاثة بيوت، تم تدميرها ... وكان لدي قطعة أرض، ضاعت الآن ... يبدو أن ما اكتسبته من مال ذهب مع الريح وكأنه لم يكن"

وبينما يصف علي التحول الذي صار إليه، يجلس في مكان قد يكون لائق وصفه مولاً تجارياً بمقاييس مخيم قرقاميش: صفوف من الأكشاك الخشبية الرقاقية تبيع كل شيء بدءً من الطعام الطازج وحتى الطعام المعلب وأواني الطهي والمولدات الكهربائية. ويحضر البائعون أطباقاً من اللحم المشوي، ويطأ على رأسه بداخل أحد هذه الأكشاك. وتدور أيامه حول تعليم الاطفال مهارات كرة القدم والذين يهرعون إليه كنجم المخيم المشهور. وفي نهاية الصباح، وبينما تقطع الشمس ضباب الصحراء، يجتمع علي مع ثلاث دزينات من الأطفال على قطعة بلاط خرسانية منثور عليها قطع من الزجاج يستخدمونها في تدريبات التمدد والركض في دورات والمشاجرات أيضاً. وأحياناً قد تجد الكرة طريقها إلى علي، الذي يراقصها بمهاراته وعنفوانه مثل في حياته السابقة

يشاركنا علي برأيه في المشاركة في المنتخب قائلاً: "نعم الأمر صعب، ولكني لست نادماً على شيء، كيف يشعر من يلعب تحت هذا العلم ويحمل صورة رجل هو السبب الوحيد لقتل وموت وتشريد أكثر من 7 مليون سورياً؟"

"عار عليك يا منظمة الفيفا"

مرسين، تركيا

السؤال الرئيسي الموجه للخطيب وعلي وملايين المشجعين هو هل ما يحدث في كرة القدم بداخل سوريا يمثل الصراع الذي يواصل تمزيق سوريا إلى أشلاء؟ هل في استطاعة المنتخب السوري أن يكون واحة سلام، مكان تجتمع فيه سوريا معاً؟ أم أن هذا مجرد سلاح آخر يستخدمه بشار الأسد ليخدع الآخرين بوهم استمرار الحياة الطبيعية في سوريا وليضفي الشرعية على حكمه؟

أنس عمو فكر مطولاً في هذا السؤال. وكان رده أن يقوم بالبدء في بناء قضية انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة ضد الرياضيين على يد الحكومة السورية. ورأى عمو أن هذا المشروع هو طريقته الخاصة في خدمة المعارضة. وبدأ بالفعل في هذا المشروع منذ خمس سنوات عندما اكتشف أن الرياضيين هم أبرز وأكثر ضحايا نظام بشار وقمعه الجائر، وأن الحكومة تستخدم كرة القدم - شغف عمو الأول - كسلاح دعاية وترويج لها. بوجود عشرات من الرياضيين ما بين قتلى وآلاف منهم من اللاجئين، يعتقد عمو "أن جيل كامل من لاعبي كرة القدم فنى عن بكرة أبيه"

في مرسين، يعمل عمو في مكتب بغرفتين، غير مفروش إلا باليسير من الأثاث ويطل من بعيد على البحر الأبيض المتوسط. فر عمو من حلب، حيث كان يعمل كاتب رياضي لصحيفة الوطن السورية ومسؤول متطوع في الشؤون العامة مع فريق الاتحاد، فريق كرة القدم الأول في المدينة. عمل مع فريق الاتحاد في عام 2011، عندما بدأت الحكومة السورية في إجبار اللاعبين في السير في مظاهرات مؤيدة لنظام الأسد. وقد أخبر اللاعب السابق شبكة ESPN أن مثل تلك الأوامر كان أمراً شائعاً. "وكان اللاعبون في قمة غضبهم لإجبارهم على الخروج لتأييد الأسد، شعرت بالحزن العميق عندما رأيت أن الرياضة يمكن أن يتم استغلالها بهذا الشكل البغيض"

وكلما تصاعدت حدة الحرب الأهلية وازدادت سوءً، كلما اتسعت القوات العسكرية في اتخاذ الملاعب قواعد عسكرية لها في دمشق وحلب وحماة وحمص وغيرها من المدن التي حولوها لقواعد عسكرية ومراكز احتجاز، طبقاً لما أورده لاعبون سابقون ومراقبو حقوق الإنسان ومقاطع الفيديو التي قام بتصويرها النشطاء. مقطعان من الفيديو على سبيل المثال، يظهران صواريخ يتم إطلاقها من ملعب العباسيين بدمشق، وهو نفس الملعب الذي ذكر فراس أنهم أُجبروا على مشاطرته مع الجيش السوري

فادي دباس، نائب اتحاد الكرة السورية ورئيس بعثة المنتخب الوطني، وصف هذه الادعاءات بأنها كاذبة وقد أخبر شبكة ESPN أن تلك الملاعب "لم يتم استخدامها كقواعد عسكرية مطلقاً"، كما ألقى باللوم على الصحافة الغربية والتي وصفها بأنها منحازة وليست منصفة في تغطيتها.

قوانين الفيفا الحاكمة للمنظمات كالاتحاد السوري لكرة القدم أقرت أن "كل عضو بإمكانه إدارة شؤونه بشكل مستقل وبدون أي تدخل أو تأثير من الأطراف الخارجية". قامت الفيفا بالتذرع ببند الاستقلال حوالي 24 مرة في العقد الماضي فقط، مما أسفر عن 20 إيقاف من اللعب الدولي، في رد منها على نشاطات لمنظمات تراها هي متدخلة حكومياً. في عام 2009، على سبيل المثال، قامت الفيفا بإيقاف العراق بعد أن ورد إلى علمها أن الحكومة قامت بحل اتحاد الكرة العراقي وأرسلت وكلاء أمن لفرض السيطرة على مقره. وفي عام 2014، قامت الفيفا بإيقاف نيجريا بعد أن قامت الحكومة النيجيرية بحل قيادة الاتحاد النيجيري لكرة القدم بعد النهائي المخجل للمنتخب في مباريات كأس العالم في البرازيل

ويري عمو أن العنف تجاه اللاعبين واستغلال الفرق الرياضية كأداة دعائية وترويجية واستخدام الملاعب كقواعد عسكرية، جميعها مخالفات لقوانين الفيفا. ويرى عمو أن فشل الفيفا في اتخاذ أي موقف ضد الحكومة السورية هو بمثابة "تورط وتواطئ من الفيفا في جميع الجرائم التي ارتكبها النظام ضد لاعبي كرة القدم والدمار الذي لحق بالملاعب والمرافق الرياضية"

وقد قام بإرسال هذه المعلومات بالبريد الإلكتروني إلى لاعب سابق يدعي أيمن قاشيط، وهو لاعب سابق في الدوري السوري. يعيش قاشيط الآن في السويد، حيث حصل على الإقامة وأصبح قريباً من مقر الفيفا بزيورخ

سافر قاشيط إلى زيورخ لمواجهة الفيفا في أغسطس 2014، فتم طرده من مكتب الاستقبال، ولكنه قرر لكي يكون له أثر قوي لابد له من الحصول على تقرير شامل، فقام بأخذ دورة في منظمة العفو الدولية لتعلم توثيق انتهاكات حقوق الإنسان. وكانت النتيجة عبارة تقرير مكون من عشرين صفحة "شكوى" قام بتجميعها عمو، وتقديمها نيابة عن "أكثر من 200,00 رياضي ... منشقين عن الاتحاد السوري لكرة القدم"

وكتب قاشيط في شكواه باللغة الإنجليزية إحدى اللغات الأربع الرسمية للفيفا. هذه الوثيقة بلا قواعد لغوية ومباشرة تماماً في سرد الحقائق. ويقتبس من التقرير "جرائم الحرب المرتكبة بيد النظام السوري في حق لاعبي كرة القدم وملاعبها، والصمت المطبق لاتحاد كرة القدم السوري حيال هذه الانتهاكات والجرائم..." وتشمل هذه الشكوى جدولاً يحتوي على عشرة لاعبين يعتقد أنهم محتجزين في سجون النظام كما تضم أيضاً صوراً لتسعة منهم. وهناك جداول أخرى تدرج إحدى عشر لاعباً تحت سن ١٨ وعشرين فوق سن ١٨، يتهم قوات النظام بقتلهم. وجزء آخر يظهر صوراً ومقاطع فيديو للملاعب التي تحتلها القوات السورية. ويقول قاشيط أنه حاول إرسال هذه المعلومات إلى الفيفا لكنه لم يتلق أي رد. وقد عاد إلى زيورخ وقام بتقديم الوثائق إلى قسم الاستقبال، ولكنه مرة أخرى لم يتلق أي رد

في أغسطس 2015، عاد قاشيط إلى مقر الفيفا، هذه المرة مع مترجم فوري لمساعدته في تصوير ما يجري أثناء اللقاء. وبعد الجدال مع موظفة الاستقبال، تحدث قاشيط في النهاية مع ألكسندر كوش، مدير الاتصالات المؤسسية بالفيفا

ينقل المترجم حديث قاشيط إلى كوش قائلاً: "يقول أنه سيكون ممتناً إذا ما استطاعت الفيفا متابعة الوثائق لأنها الطريقة الوحيدة للضغط من خلال مؤسسة الفيفا، لأنها المظلة الكبرى لهذا الاتحاد"

ويبدو أن كوش أصابه بعض الاضطراب والقلق

رد كوش: "المشكلة هنا، أنني لا أرى أي مخالفة أو انتهاك لكرة القدم"

ووجه كوش حديثه لقاشيط بأن عليه تقديم شكواه إلى اتحاد الكرة السوري، والذي يستطيع أن يقدم هذه الشكوى إلى الفيفا. وحاول قاشيط أن يفهمه أن هذه الشكوى ضد الاتحاد السوري لكرة القدم المدعوم من نظام بشار الأسد

أخبر قاشيط شبكة ESPN لاحقاً قائلاً: "كيف يمكنك أن تطلب من الاتحاد السوري للكرة أن يقدم شكوى نيابة عنك، وهذه شكوى ضدهم في الأساس؟ من الواضح أن الاتحاد السوري جزء من نظام بشار الأسد، لا يمكن لأحد أن يعتقد أو أن يصدق شيء آخر أو غير ذلك"

وبعد شهر، تلقى قاشيط رسالة عبر البريد الإلكتروني من نائب الأمين العام ماركوس كاتنر، مؤكداً أن الأمر خارج سلطة منظمة الفيفا

كتب كاتنر: "تعلن الفيفا دعمها الكامل لأي مجهود يعمل على ضمان تمتع الرياضيين بممارسة كرة القدم في بيئة خالية من العنف ونشكرك كثيراً على مبادرتك". وينتهي الأمر بكاتنر مطروداً من الفيفا نتيجة لسوء التصرف المالي أثناء تقلده منصب الرئيس المالي في منظمة الفيفا. وأضاف كاتنر أن هذه الظروف المذكورة في التقرير "تتعدى نطاق وحدود" رياضة كرة القدم برمتها

تحطمت آمال قاشيط. يقول قاشيط دامع العينين في الحوار الذي أجراه مع شبكة ESPN في مدينة هلسينغبورغ بالسويد: "عار عليك يا منظمة الفيفا"، وتابع حديثه قائلاً: "لم أطلب من الفيفا اتخاذ قرار فوري، وإنما طلبت منها أن تقوم بالتحقيق. إن كان تقريري غير دقيق أو صحيح، فليتجاهلوني تماماً ويرفضوا شكواي"

وقد حاولت شبكة ESPN إجراء لقاء مع مسؤولي الفيفا حول مشكلة سوريا ومنتخبها الوطني، ولكن الفيفا رفضت إجراء أي حوار، وقامت بإرسال بيان كتابي مماثل لذلك الذي قامت بإرساله إلى قاشيط: "على مدار السنوات، وُرد إلى علم منظمة الفيفا وجود بعض الإداعاءات ضد عدد من الأطراف - وعادة ما تتناقض هذه المعلومات بعضها البعض طبقاً لمصادر مختلفة - فيما يخص جرائم العنف التي وقعت في حق ممارسة كرة القدم في سوريا. ورغم أننا على تفهم ووعي كاملين للظروف المأسوية التي تحيط بهذه الأحداث، فإننا كهيئة حاكمة في شؤون الرياضة ندرك أيضاً أن هذه الأفعال المزعمة تتخطى نطاق سلطة وحدود الشؤون الرياضية، في بلد تموج بالكامل في خضم الحرب الأهلية"

وما منع الفيفا من اتخاذ أي قرار هو "حدودها التشريعية وعدم قدرتها من التثبت من صحة أي من هذه المزاعم والادعاءات في موقف بالغ التعقيد كهذا" طبقاً لما ورد في البيان

وقد كتب مارك أفيفا، المحامي في مدينة لندن، كيف طبقت الفيفا قوانين الاستقلال، قائلاً أن الأدلة في حالة سوريا تفوق أي حالة أخرى، ويشمل هذا ما حدث مع نيجيريا والذي دفع بالفيفا إلى اتخاذ قرار والتصرف ضدها. علق أفيفا على البيان قائلاً: "في أي سياق آخر، كانت منظمة الفيفا لتحرص بقوة على التدخل، ولكنها رأت أن التدخل ليس في مصلحتها ]في هذه الحالة["

وأكمل أفيفا حديثه قائلاً أنه في خضم أزمة عالمية تضم قوى العالم العظمي من بينها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، الدولة المضيفة لكأس العالم العام القادم، فإن اتخاذ أي قرار ضد سوريا يحتاج إلى ما هو أكثر من تلك الشجاعة المؤسسية التي أظهرتها الفيفا من قبل

"بدون سياسة"

سيول، كوريا الجنوبية

في يوم بارد من شهر مارس، قام اللاعبون من كوريا الجنوبية وسوريا بالسير في صف واحد متجهين نحو ملعب سيول لكأس العالم، والذي تم بناؤه قبل استضافة كوريا الجنوبية لكأس العالم في 2002. الملعب الذي يسع 66,704 مقعداً يضع ملعب المنتخب السوري في موطنهم "ماليزيا" موضع الخزي والعار. فمن ضمن المرافق التي يوفرها الملعب سقف متوهج مصمم ليحاكي تصميم الطائرة الورقية الكورية. ولدعم فريق وطنهم -صاحب لقب الشياطين الحمر - قام العديد من المشجعين بارتداء قرون حمراء وامضة. وارتدى المنتخب السوري الزي الرياضي المألوف ذي اللون الأحمر الخاص بهم، ولكن هناك تغير واحد رئيسي: فقد انتهت مقاطعة فراس الخطيب للمنتخب، وقد عاد للمنتخب منذ أسبوع في مباراة المنتخب ضد أوزبكستان وهو الآن في تمام الاستعداد لمباراة فاصلة في مواجهة كوريا الجنوبية.

لا يثير الخطيب أو مسؤولو المنتخب ضجة حول هذا التغير. يقول الخطيب أن قراراه لم يكن قراراً شخصياً: "في المرة السابقة، لم يدعوني أحد للعب". وجاء رد فادي دباس رئيس بعثة المنتخب، أن الخطيب "دائماً مرحب به لينضم للمنتخب في أي وقت، ولكن وضعه سابقاً لم يسمح له بالانضمام"

بغض النظر عما جرى، يبدو أن المهاجم يتبع الآن سيداً جديداً. في اليوم السابق للمباراة، وبعد موافقة الخطيب لإجراء حوار مع شبكة ESPN ، دفعه مسؤولون سوريون داخل أحد المصاعد، وتطلب الأمر مفاوضات محتدمة بين شبكة ESPN ومسؤولي المنتخب السوري في بهو الفندق حتى نتمكن أخيراً من إجراء اللقاء مع اللاعب

"بدون حديث في السياسة" طلب المتحدث الرسمي باسم الفريق، بشار محمد، والذي لم يتلقى أي ضمانات

وقد أعطى الخطيب انطباعاً بأنه تخلى عن السياسة تماماً. "فلنخرج المواضيع السياسية من حديثنا، ولنخص الحديث بالرياضة فقط، فقد عدت اليوم من أجل كرة القدم، وليس من أجل السياسة"

وأضاف "المنتخب السوري لكل الناس، ولكل السوريين"، وليس فقط من أجل الحكومة. مواصلة المشاهدة فقط دون العمل والمشاركة لم يعد خياراً متاحاً بعد الآن، واستكمل حديثه "لا يمكننا الوقوف صامتين لا نحرك ساكناً وننتظر الموت. كلا. لا يمكننا الجلوس في المنزل ومشاهدة التلفاز منتظرين أن نرى ما سيحدث في هذه الحرب. كلا، علينا القيام بشيء ما، من أجل عائلاتنا ومن أجل بلادنا وأصدقائنا ومن أجل أنفسنا نحن"

لم يصدقه الكثيرون. فالرد جاء مختلطاً على صفحات التواصل الاجتماعي. يقول الخطيب أن 80-90% من المشجعين السوريين يدعمون عودته، ولكن يظهر احساس عميق بالخيانة على رسائل صفحة موقع فيسبوك:

"كيف تشعر حقاً وأنت تخون بلدك وأهلك. كيف تشعر وأنت تخون حمص، وكل اللاجئين الفارين بأنفسهم من ظروف مروعة، وأنت تتخذ قراراً بالوقوف إلى جانب النظام ومساندته. أقل ما يمكن أن يقال في حقك، أنك خائن"

"لعنة الله عليك، الحذاء القديم أعلى منك مقاماً وقيمة. لا أعرف لما كل من يدعي أنه نجم أو مشهور في سوريا، أظهروا جميعاً أنهم أحط الناس على كوكب الأرض. ستدفع ثمن هذا في حياتك قبل مماتك. أبصق على شرفك المنحط، يا كلب"

"العار عليك يا فراس! كلامك لا يحمل حتى مصداقية الطفل الصغير. أبصق على وجهك أيها الكاذب"

أما باقي الرسائل فأظهرت تسامحاً معه. تواصلنا مع محمد الحمصي، ناشط إعلامي في حي الوعي المحاصر بداخل مدينة حمص، وقد صرح قائلاً أنه لايزال يتابع مباريات المنتخب الوطني السوري لأن "بوجه عام، الرياضة هي الشيء الوحيد الذي يجمعنا بالماضي الجميل. ولابد من فصل الرياضة عن السياسة"

الخطيب، لازال يحاول التأقلم مع فريق لم يقوده منذ خمسة أعوام، وبدأ المباريات جالساً على المقعد الاحتياطي، فيما أحزرت كوريا الجنوبية هدفها الأول في الدقيقة الرابعة. وحاول المنتخب السوري بقية المباراة اقتناص طريق العودة إلى المقدمة

انضم الخطيب إلى منتخبه في النصف الثاني من المباراة. وفور نزوله إلى أرض الملعب تقريباً ارتفع أداء المنتخب وواصلت سوريا هجماتها الدفاعية. الملعب كان نصف ممتلئاً. والمشجعون الذين كانوا في قمة النشاط والتشجيع، أصبح لا يسمع لهم إلا همساً بينما يكرر المنتخب السوري هجماته الخطيرة

وفي غمار دقات الساعة، وبدأ العد التنازلي، وجدت الكرة طريقها إلى الخطيب في حركة لها أثر القصيدة العذبة على النفس، قذفها الخطيب إلى يسار الشبكة، منفرداً. ومن على بعد عشرة أقدام، دفع الخطيب بقدمه اليسرى قذيفة مباشرة إلى رأس حارس المرمى. سارع حارس المرمى سون تاي كوون بوضع يداه أمام وجهه لحمايته في آخر لحظة وقام بصد الطريق إلى الإحراز. وفي الوقت الإضافي، وقد عادت الجماهير المشجعة للتهليل والصراخ الحماسي، تمكن الخطيب من فرصة أخرى. ومنفرداً أيضاً وتقريباُ في نفس البقعة، قام بتصويب ركلة صاروخية أخرى، ولكن هذه المرة كانت أعلى. ولكنها ارتطمت بالعارضة بقوة فسُمع صوتها من منتصف المدرجات، ولكنها ارتدت لمسافة بعيدة. وقال الخطيب أنه سيحاول رفع روح سوريا عالياً حتى وإن كان هذا للحظة واحدة، فسيبذل قصارى جهده ليخرجها من جحيم الهم والغم هذا. علق الخطيب على المباراة قائلاً: "أخيراً، لقد اتخذت القرار السليم، وأتمنى أن أكون سبباً في سعادة الجماهير السورية"

ولكن لم يتم الأمر لصالح سوريا في تلك الليلة. فخسارتها 1-0 أبعدتها عن المركز الثالث بأربع نقاط وبفاصل ثلاث مباريات فقط عن آمال كأس العالم التي لم تنضب بعد

وفي الأسبوع اللاحق للمباراة، كان هناك المزيد من الأخبار من سوريا، ومرتبطة بشكل غير مباشر بالوعد الذي قطعه الخطيب على نفسه في وقت غير بعيد، وهو أنه لن يلعب طالما الأسد مستمر في قتل المدنيين. هذه المرة قامت الحكومة بتفجير مدينة خان شيخون والتي تسطير عليها قوى المعارضة، فأمطرتها بغاز السارين، وهو سلاح كيماوي. الصور مروعة: ضحايا أصابها الشلل، يخرج الزبد من أفواهها وتقلصت حدقاتهم حتى صارت كثقوب الإبر في الجماجم. أطفال نصف عراة يرقدون عاجزين في برك من الوحل، يحاولون جاهدين التقاط أنفسهم فلا يستطيعون

قتلت هذه القنابل ما يزيد عن 85 شخصاً

ساهم في هذا التقرير المنتج جريج أمنتي من وحدة التحقيق والمشاريع بشبكة ESPN والمراسلون هويدا سعد وأحمد عجوز وناصر مهداوي وخلود حسن وحسين القطرى وشهيرة عيسى والباحث أنتوني أوليفيرا